بيان ما يتعلق بامتناع نفاذ الوعيد بما يحصل للمؤمنين من أهوال يوم القيامة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:قال المصنف رحمه الله تعالى: [السبب الثامن: أهوال يوم القيامة وشدائده. السبب التاسع: ما ثبت في الصحيحين (أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة)]. السببان الثامن والتاسع هما مما يكون يوم القيامة، والشارح رحمه الله تعالى لم يرتب هذه الموانع بحسب تسلسلها أو وقوعها، فلم يتخذ ترتيباً معيناً لها، ولو أنه رتبها بحسب وقوعها أو تقاربها موضوعياً لكان ذلك جيداً، فيكون ما ذكره في السبب الثامن والتاسع مما يقع يوم القيامة عقب ما ذكره في موضوع عذاب القبر؛ لأنه -كما قلنا عند الحديث عن عذاب القبر- من مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى أن الناس الذين يموتون ولم يتوبوا ولم يطهرهم الله عز وجل بمصائب ومكفرات تكفر عنهم المعاصي والذنوب والخطايا قبل موتهم يعذبون بقدر ذنوبهم، فمن الذنوب ما لا يتجاوز عذاب القبر، ومنها ما يتجاوز ذلك إلى المحشر، ومنها ما يصل إلى الصراط، ومنها ما لا بد لأصحابه من أن يدخلوا النار عافاني الله وإياكم منها، ومنها ما يطول مكث أهله في النار فيكونون من آخر أهل النار خروجاً؛ لأن الداخلين في النار أيضاً على مراتب، فهم في دركات النار بحسب أعمالهم، فبعضهم يخرج قبل بعض. وقد تقدم أن عذاب القبر قد يكفر ذنوب أقوام، فإذا نفخ في الصور وبعث الله سبحانه وتعالى الناس للحساب يكون المرء منهم قد أخذ نصيبه وحظه من العذاب والعقوبة، فيلقى الله تبارك وتعالى وقد نقاه وطهره بما لقيه في قبره. مما يكون بعد مرحلة القبر ما أشار إليه في السبب الثامن، وهو أهوال وشدائد وكربات يوم القيامة، فقد تكفر بقية الذنوب والخطايا وبعدها ينجو العبد بإذن الله تعالى ويعبر الصراط ويكون من أصحاب الجنة، ممن يدخلونها ابتداء فلا يسقطون من فوق الصراط في النار، ولا تلتهمهم النار بتلك الحسك، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم منها.